Спонсоры

  • في البدء، حين لم تكن الدنيا قد استقرت على لون، وكانت الأرواح تنزلق بين أعمدة النور وظلال الطين، أُعطي الإنسان ميزاناً لا يُرى، محفوظاً في خزائن النور، تحرسه ملائكة تتنفس الصدق وتغتسل بماء السر الأول. أُمر أن يكون أميناً عليه، أن لا يطغى حين يُؤتمن، وأن لا يظلم حين يُبتلى. فكان أول خيانته يوم سمع الهمس الآتي من كهوف الرغبة، من حيث تسكن كائنات تعوي في الظلام وتخفي وجوهها خلف أقنعة المعنى.

    تقدّم إليه واحد من أولئك الممسوسين بحمى التغيير، مقنّعاً بصوت يشبه صوت الأنبياء، وله لسان من نارٍ وحبر، وقال له: العدالة لا تسكن القلب، بل تتخذ عرشها في قاعة السلطان، ومن يملك المفاتيح يملك النور. فاستلّ الإنسان روحه ووضعها رهناً عند بوابة الفكرة، وسلم مفاتيح الميزان إلى حُجّابٍ لا يعرفون غير لغة الحديد والرقم. ومنذ ذلك اليوم، لم تعد الأمانة وِرداً يُتلى في صحارى الأتقياء، بل سلعة يُساوم عليها في أسواق الجنون.

    اختل الميزان حين نسيت الأرواح أنها كانت نوراً، وتحولت إلى أرقام في دفاتر تُديرها أشباح لا جسد لها، تمشي على الأرض بوجوه البشر وقلوب من رماد. وتراكم الوهم حتى صار عقيدة، وسُميت القيود تحريراً، والفقر طهراً، والاستعباد نظماً. كانت الفكرة تنمو في الظل مثل نباتٍ سام، تسقيها دموع الطيبين الذين أُقنعوا أن الخلاص لا يأتي من الداخل، بل من هندسة الخارج، من ترتيب الطاولات، لا من ارتجاف القلب حين يرى ظل مظلوم.

    كل شيء صار يُقاس، حتى الصدق، حتى الحب، حتى الدموع، حتى العدل. لم تعد الأرواح تُوزَن بخفتها، بل بثقلها على الأرض، بثقلها في دفاتر الجرد. وصار الإنسان يتباهى بموضعه في سلم لا يرى نهايته، وكلما صعد درجة نسي ظلاً خلفه يبكي، نسي ضوءاً كان يرعاه حين كان لا يملك إلا قلباً يخاف الله.

    ضاع المعنى لأنهم اختزلوا العالم في حكاية واحدة، حكاية مشروخة لا تنبت زهراً ولا تحفظ عهداً. قالوا له: لا تنظر إلى السماء، السماء خديعة، والملائكة وهمٌ من أساطير الرعاة. فصدقهم، وأدار ظهره للضوء، وظن أن النور ينبعث من مصنع، من آلة، من مؤتمر. وكان كل ما فعله أنه فتح الباب لوحشٍ أضخم، رأسمال له ألف فم وألف يد، يمتص الحليب من أثداء الأرامل ويحول أنفاس الأطفال إلى وقود.

    صار الإنسان رقماً، صورة، ترميزاً، رأياً يُباع، وصوتاً يُؤجر، وصرخةً تُعاد بثها وفق توقيت السوق. لم تعد له ذات، بل واجهة. لم تعد له كرامة، بل تقييم. لم يعد يبحث عن العدالة، بل عن دور في المسرحية. إنه الآن يبتسم وهو يُذبح، ويصفق وهو يُباع، ويكتب شعراً عن الحرية وهو في قفص ذهبي لا يرى قضبانه إلا من خلال المرآة.

    تلك الأرواح الطيبة التي كانت تتنزه في السحر وتمسح جباه الأولياء بالسكينة، هجرت الأرض. صعدت، أو اختبأت. وما بقي سوى العفاريت، تسكن الكلمات وتوسوس للعقول، وما بقي سوى الهياكل، تمشي باسم الإنسان ولا تحمل من روحه سوى رائحة قديمة، تتلاشى.

    الميزان ما عاد بين يديه، الأمانة ما عادت في قلبه، العدل ما عاد يقيم في أرضه. فهل آن له أن يصحو؟ أم أنه اختار أن يظل غافلاً، يرقص على صدى تعاويذ باهتة، حتى يُسحب في صمت إلى حيث لا معنى، ولا روح، ولا قيامة؟
    في البدء، حين لم تكن الدنيا قد استقرت على لون، وكانت الأرواح تنزلق بين أعمدة النور وظلال الطين، أُعطي الإنسان ميزاناً لا يُرى، محفوظاً في خزائن النور، تحرسه ملائكة تتنفس الصدق وتغتسل بماء السر الأول. أُمر أن يكون أميناً عليه، أن لا يطغى حين يُؤتمن، وأن لا يظلم حين يُبتلى. فكان أول خيانته يوم سمع الهمس الآتي من كهوف الرغبة، من حيث تسكن كائنات تعوي في الظلام وتخفي وجوهها خلف أقنعة المعنى. تقدّم إليه واحد من أولئك الممسوسين بحمى التغيير، مقنّعاً بصوت يشبه صوت الأنبياء، وله لسان من نارٍ وحبر، وقال له: العدالة لا تسكن القلب، بل تتخذ عرشها في قاعة السلطان، ومن يملك المفاتيح يملك النور. فاستلّ الإنسان روحه ووضعها رهناً عند بوابة الفكرة، وسلم مفاتيح الميزان إلى حُجّابٍ لا يعرفون غير لغة الحديد والرقم. ومنذ ذلك اليوم، لم تعد الأمانة وِرداً يُتلى في صحارى الأتقياء، بل سلعة يُساوم عليها في أسواق الجنون. اختل الميزان حين نسيت الأرواح أنها كانت نوراً، وتحولت إلى أرقام في دفاتر تُديرها أشباح لا جسد لها، تمشي على الأرض بوجوه البشر وقلوب من رماد. وتراكم الوهم حتى صار عقيدة، وسُميت القيود تحريراً، والفقر طهراً، والاستعباد نظماً. كانت الفكرة تنمو في الظل مثل نباتٍ سام، تسقيها دموع الطيبين الذين أُقنعوا أن الخلاص لا يأتي من الداخل، بل من هندسة الخارج، من ترتيب الطاولات، لا من ارتجاف القلب حين يرى ظل مظلوم. كل شيء صار يُقاس، حتى الصدق، حتى الحب، حتى الدموع، حتى العدل. لم تعد الأرواح تُوزَن بخفتها، بل بثقلها على الأرض، بثقلها في دفاتر الجرد. وصار الإنسان يتباهى بموضعه في سلم لا يرى نهايته، وكلما صعد درجة نسي ظلاً خلفه يبكي، نسي ضوءاً كان يرعاه حين كان لا يملك إلا قلباً يخاف الله. ضاع المعنى لأنهم اختزلوا العالم في حكاية واحدة، حكاية مشروخة لا تنبت زهراً ولا تحفظ عهداً. قالوا له: لا تنظر إلى السماء، السماء خديعة، والملائكة وهمٌ من أساطير الرعاة. فصدقهم، وأدار ظهره للضوء، وظن أن النور ينبعث من مصنع، من آلة، من مؤتمر. وكان كل ما فعله أنه فتح الباب لوحشٍ أضخم، رأسمال له ألف فم وألف يد، يمتص الحليب من أثداء الأرامل ويحول أنفاس الأطفال إلى وقود. صار الإنسان رقماً، صورة، ترميزاً، رأياً يُباع، وصوتاً يُؤجر، وصرخةً تُعاد بثها وفق توقيت السوق. لم تعد له ذات، بل واجهة. لم تعد له كرامة، بل تقييم. لم يعد يبحث عن العدالة، بل عن دور في المسرحية. إنه الآن يبتسم وهو يُذبح، ويصفق وهو يُباع، ويكتب شعراً عن الحرية وهو في قفص ذهبي لا يرى قضبانه إلا من خلال المرآة. تلك الأرواح الطيبة التي كانت تتنزه في السحر وتمسح جباه الأولياء بالسكينة، هجرت الأرض. صعدت، أو اختبأت. وما بقي سوى العفاريت، تسكن الكلمات وتوسوس للعقول، وما بقي سوى الهياكل، تمشي باسم الإنسان ولا تحمل من روحه سوى رائحة قديمة، تتلاشى. الميزان ما عاد بين يديه، الأمانة ما عادت في قلبه، العدل ما عاد يقيم في أرضه. فهل آن له أن يصحو؟ أم أنه اختار أن يظل غافلاً، يرقص على صدى تعاويذ باهتة، حتى يُسحب في صمت إلى حيث لا معنى، ولا روح، ولا قيامة؟
    0 Комментарии 0 Поделились 0 предпросмотр
  • في حضرة النور، حيث لا يختبئ شيء، تتكشّف الأرواح كما هي، عارية من الزيف، صادقة أو كاذبة، لا تُخفى حقيقتها مهما تنكرت، فالنور لا يُخدع، والحق لا يُهادن. وهناك، في ذلك المقام العالي الذي لا تصله خطوات المتسلقين، تُبصر الأرواح الطاهرة ما لا تُبصره العيون المغمّاة بالشهوة والسلطة والخوف، وتقول كلمتها لا لترضي أحداً، بل لأن الكلمة حين تصدر من النور، تُحدث رجفة في عرش الباطل مهما تجبّر.

    خبث الأرواح الشريرة لا يكمن في ظاهرها، بل في نعومتها، في لغتها التي تهمس لا تصرخ، في وعودها التي تُغلف العبودية بالتحرر، والظلم بالعدالة، والموت بالحياة. تلك الأرواح لا تأتي بهيئة الشيطان الكاشف، بل تلبس ثوب العاقل، المفكر، المنقذ، بل قد تُصلّي في الظاهر، وتبكي على المساكين، لكنها في جوهرها لا تؤمن إلا بمنفعتها، ولا تسجد إلا لصنم الذات المتضخمة.

    لقد رأيناها، تل8ك الأرواح، وهي تنشر فكرها في ثوب الإصلاح، تغري الناس بفكرة العدل المسروق، تقول لهم إن العدل يُصاغ في دواليب السلطة، وأن خلاصهم مشروط بإيمانهم بمن يكتب التاريخ لا بمن يعيش ألمه. رأيناها تُحوّل الإنسان إلى ترس، والعامل إلى آلة، والفقير إلى رقم، ثم تتباكى على الإنسان الذي سحقته بيديها.

    هذه الأرواح الخبيثة تُحسن تقليد لغة النور، تسرق مفرداته، تلوّن جدرانها بشعارات الصدق والكرامة، لكنها لا تقوى على لمس جوهر المعنى. تزرع الشك في اليقين، وتجعل من الحياء ضعفاً، ومن الرحمة خيانة، ومن الطهر جنوناً. تُحارب الملائكة لا بالسيف، بل بالكلمة المسمومة، وبالضحكة التي تُخفي خنجراً.

    أما الأرواح النورانية، فهي لا تصرخ، بل تضيء. لا تفرض، بل تُلهم. لا تدخل القلوب بالعنف، بل تفتحها بالمحبة. تعرف الفرق بين العدل الذي يُملى، والعدل الذي يُولد من خشية، بين الأمانة التي تُفرض بالقانون، وتلك التي تُحفظ لأن القلب لا يحتمل خيانتها.

    النور لا يجبر، بل يكشف. ومن رأى الحقيقة عارية لا يعود كما كان. الأرواح الطاهرة لا تسعى إلى الانتصار، بل إلى الانكشاف، لا تبني إمبراطوريات، بل تنفخ في رماد الإنسان حتى يشتعل قلبه من جديد. هي التي تعري الظلم لا بخطاب الثورة، بل بنظرة المحبة، وتقاوم الطغيان لا بالمعارك، بل بميزان الحق الذي لا يتبدل.

    فاحذر، يا من تقرأ، من الأرواح التي تُشبه النور لكنها باردة، من الوجوه التي تُبكيك وهي تسلبك، من الكلمات التي تُحرّرك في الظاهر لتستعبدك في العمق. الميزان لا يُوزن بالأفكار، بل بالقلوب. والحق لا يُعرف بالهتاف، بل بالسكون الذي يسبق البصيرة.

    في زمن اختلطت فيه الأرواح، ولم يعد الناس يعرفون الطاهر من الخبيث، كن أنت من يُضيء. لا تكن مرآة، بل كن نوراً. لا تكن تابعاً لصوتٍ يُعجبك، بل ميزاناً تعرف به من أين جاء الصوت، وما غايته. لأن كل صوت لا يُعيد الإنسان إلى روحه، هو من الأرواح التي تسكن الظلال، وتخشى وجه النور.

    فاضحك، إن شئت، وابكِ إن لزم، لكن لا تمشِ مع من يشبه النور ولا يملكه.
    لأن النور، يا صاحبي، لا يُشبه شيئاً، إنه الحق حين يتجلى
    في حضرة النور، حيث لا يختبئ شيء، تتكشّف الأرواح كما هي، عارية من الزيف، صادقة أو كاذبة، لا تُخفى حقيقتها مهما تنكرت، فالنور لا يُخدع، والحق لا يُهادن. وهناك، في ذلك المقام العالي الذي لا تصله خطوات المتسلقين، تُبصر الأرواح الطاهرة ما لا تُبصره العيون المغمّاة بالشهوة والسلطة والخوف، وتقول كلمتها لا لترضي أحداً، بل لأن الكلمة حين تصدر من النور، تُحدث رجفة في عرش الباطل مهما تجبّر. خبث الأرواح الشريرة لا يكمن في ظاهرها، بل في نعومتها، في لغتها التي تهمس لا تصرخ، في وعودها التي تُغلف العبودية بالتحرر، والظلم بالعدالة، والموت بالحياة. تلك الأرواح لا تأتي بهيئة الشيطان الكاشف، بل تلبس ثوب العاقل، المفكر، المنقذ، بل قد تُصلّي في الظاهر، وتبكي على المساكين، لكنها في جوهرها لا تؤمن إلا بمنفعتها، ولا تسجد إلا لصنم الذات المتضخمة. لقد رأيناها، تل8ك الأرواح، وهي تنشر فكرها في ثوب الإصلاح، تغري الناس بفكرة العدل المسروق، تقول لهم إن العدل يُصاغ في دواليب السلطة، وأن خلاصهم مشروط بإيمانهم بمن يكتب التاريخ لا بمن يعيش ألمه. رأيناها تُحوّل الإنسان إلى ترس، والعامل إلى آلة، والفقير إلى رقم، ثم تتباكى على الإنسان الذي سحقته بيديها. هذه الأرواح الخبيثة تُحسن تقليد لغة النور، تسرق مفرداته، تلوّن جدرانها بشعارات الصدق والكرامة، لكنها لا تقوى على لمس جوهر المعنى. تزرع الشك في اليقين، وتجعل من الحياء ضعفاً، ومن الرحمة خيانة، ومن الطهر جنوناً. تُحارب الملائكة لا بالسيف، بل بالكلمة المسمومة، وبالضحكة التي تُخفي خنجراً. أما الأرواح النورانية، فهي لا تصرخ، بل تضيء. لا تفرض، بل تُلهم. لا تدخل القلوب بالعنف، بل تفتحها بالمحبة. تعرف الفرق بين العدل الذي يُملى، والعدل الذي يُولد من خشية، بين الأمانة التي تُفرض بالقانون، وتلك التي تُحفظ لأن القلب لا يحتمل خيانتها. النور لا يجبر، بل يكشف. ومن رأى الحقيقة عارية لا يعود كما كان. الأرواح الطاهرة لا تسعى إلى الانتصار، بل إلى الانكشاف، لا تبني إمبراطوريات، بل تنفخ في رماد الإنسان حتى يشتعل قلبه من جديد. هي التي تعري الظلم لا بخطاب الثورة، بل بنظرة المحبة، وتقاوم الطغيان لا بالمعارك، بل بميزان الحق الذي لا يتبدل. فاحذر، يا من تقرأ، من الأرواح التي تُشبه النور لكنها باردة، من الوجوه التي تُبكيك وهي تسلبك، من الكلمات التي تُحرّرك في الظاهر لتستعبدك في العمق. الميزان لا يُوزن بالأفكار، بل بالقلوب. والحق لا يُعرف بالهتاف، بل بالسكون الذي يسبق البصيرة. في زمن اختلطت فيه الأرواح، ولم يعد الناس يعرفون الطاهر من الخبيث، كن أنت من يُضيء. لا تكن مرآة، بل كن نوراً. لا تكن تابعاً لصوتٍ يُعجبك، بل ميزاناً تعرف به من أين جاء الصوت، وما غايته. لأن كل صوت لا يُعيد الإنسان إلى روحه، هو من الأرواح التي تسكن الظلال، وتخشى وجه النور. فاضحك، إن شئت، وابكِ إن لزم، لكن لا تمشِ مع من يشبه النور ولا يملكه. لأن النور، يا صاحبي، لا يُشبه شيئاً، إنه الحق حين يتجلى
    Love
    1
    0 Комментарии 0 Поделились 0 предпросмотр
Спонсоры
Спонсоры
I-Salers https://salers.inezgane.store